دعا محافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي، إلى وجوب إجراء تغيير جذري في المنظومة الإدارية التونسية “المقيتة” والمعيقة للاستثمار في تونس.
وأوصى، الأربعاء، لدى حضوره بمجلس نواب الشعبن في إطار يوم برلماني خصّص للبنك المركزي، أعضاء البرلمان بالإسراع في المصادقة على مشاريع القوانين، التّي ستتم احالتها من طرف الحكومة وتخص، أساسا، قانون الصرف وقانون الاندماج المالي وقانون الاستثمار، التي شدد على انها ستغيّر واقع الاستثمار وتحرير المبادرة في البلاد، بشكل جذري.
كما أوصى في الندوة، التّي أشرف على تسيير أشغالها رئيس مجلس نواب الشعب، إبراهيم بودربالة، بوجوب وضع المسألة الاقتصادية في تونس على الطاولة، وخاصّة، تقديم الحلول.
وانتقد، في الوقت ذاته، عدد من خبراء الاقتصاد، الذين اقتصروا في ظهورهم الاعلامي، على تشخيص الوضعية الاقتصادية من دون تقديم مقترحات وحلول عمليّة للخروج من الأزمة الاقتصادية، التّي تمر بها البلاد.
وتعقد الندوة في ظرف يحتدم فيه الجدل والنقاش في تونس حول استقلالية البنك المركزي التونسي وتصاعد الطلبات بتنقيح القانون الأساسي لمؤسسة الإصدار عدد 35 لسنة 2016، خاصّة، على مستوى التمويل المباشر من البنك المركزي للحكومة من دون اللجوء الى البنوك التجارية.
وقال مروان العباسي، الذي ستنتهي مدة تكليفه على رأس البنك المركزي في فيفري 2024، أنّه من “المهم استرجاع الثقة في الدولة وخاصة الثقة في الاقتصاد مع التأكيد على إجراء تغيير عميق وجذري في الإدارة التونسية”. وشدّد في السياق ذاته على أهمية وضوح الرؤية في البلاد وتحرير المبادرة والاستثمار.
بالإمكان تحقيق الإقلاع الإقتصادي
وأضفى في مداخلته مسحة من التفاؤل وتابع أنّه في ظل المشهد الاقتصادي القاتم في البلاد “فإنّ تونس بإمكانها أن تحقق نتائج اقتصادية جيدة وان لها فرص أوسع للإقلاع الاقتصادي”.
وعلى صعيد آخر استعرض جملة المؤشرات الاقتصادية لتونس من 2010 الى 2023، التّي أظهرت تراجعا بشكل لافت مستدلا في ذلك على هبوط قيمة السندات التونسية من 130 بالمائة في 2010 إلى حوالي 60 بالمائة حاليا.
وتعكس هذه المؤشرات، وفق المحافظ، مخاوف المستثمرين وخاصة المموّلين الأجانب، من الإقتصاد التونسي وعدم وضوح الرؤية السياسية والاقتصادية.
وعرج على نسب النمو المحققة في العشرية الاخيرة، التّي اعتبرها هشة ولم تكن مدمجة، خاصّة، بالنسبة للشباب. ودعا، في هذا الصدد، إلى إقرار منوال نمو دامج ومستديم وقادر على استيعاب جل الشرائح.
وفي معرض حديثه عن عجز الميزان التجاري وعجز الميزانية، اللذين بلغا في العقد الأخير معدل 8 و7 بالمائة، قال ان هذا العجز من شأنه أن يؤدّي إلى هشاشة الإقتصاد التونسي ويؤثر سلبا على نسب التضخم، وخاصّة، سعر صرف الدينار.
ولفت، أيضا، إلى الهبوط الحاد والمحير لنسبة الاستثمار من 24 الى 16 بالمائة والادخار من 21،3 الى 8،7 بالمائة بين 2010 و2023 واصفا الوضعية “بالكارثية”.
وتابع تحليله للوضعية الاقتصادية والمالية للبلاد بالتطرق الى التراجع غير المبرر لتدفق الاستثمار الخارجي المباشر وانهيار انتاج وتصدير الفسفاط، على الرغم من الامكانيات الهائلة لقطاع المناجم في البلاد.
وانتقد مروان العباسي بشدة التأخر اللافت في تجسيد مشاريع الطاقات المتجددة، لا سيما، انتاج الكهرباء من الطاقات البديلة مستبعدا بلوغ الهدف المتعلّق بإنتاج 30 بالمائة من الطاقة الكهربائية باعتماد الطاقات المتجددة في أفق سنة 2030.
واستغرب من انه بالإمكان انتاج الكهرباء بسعر منخفض لا يتجاوز 70 مليما للكيلواط في حين ان تونس تستورده بمعدل 400 مليم.
ودافع المحافظ عن السياسة النقدية، لا سيما، في مجال التحكم في التضخم، وقدرتها على الحد من التضخم، الذّي رغم ذلك لا يزال في مستويات مرتفعة (9 بالمائة).
واعتبر ان الترفيع في نسب الفائدة المديرية وما ينجر عنه من زيادة في نسبة الفائدة في السوق النقدية، يرمي بالأساس الى السيطرة على نسب التضخم، التي وصلت مستوى 11 بالمائة في وقت سابق من هذه السنة.
وذكر بانه في حال عدم الترفيع في الفائدة المديرية لزادت نسبة التضخم بنسب لا يمكن تحملها على غرار في بعض الدول، التّي وصلت فيها نسب التضخم مستوى 40 بالمائة في مصر و60 بالمائة في تركيا.
وقال ان الترفيع في نسب الفائدة المديرية لم ينفر المستثمرين بل ان وضعية الركود الاقتصادي وعدم وضوح الرؤية جعلت المستثمرين لا يقبلون على القروض البنكية.
ومن جانب آخر اثنى العباسي على الجهود المبذولة من اجل الحفاظ على سعر صرف الدينار التونسي الذي أكد انه ظل مستقرا خلال الأربع سنوات الأخيرة.
“استقلالية البنك المركزي مسألة واهية”
وفي حديثه عن استقلالية مؤسسة الإصدار شدد مروان العباسي على ان المسالة واهية موضحا ان البنك يعمل بالتنسيق اليومي والتعاون اللصيق مع وزارة المالية في المسائل المالية، التي تهم البلاد.
وأفاد ان اتخاذ قرار التمويل المباشر للحكومة يكون من خلال موافقة مجلس إدارة البنك ولجنة السياسة النقدية ولجنة إعادة التمويل بالبنك.
وكشف ان قرار عدم تمويل البنك المركزي مباشرة لا يعد بالجديد ولا ينحصر في قانون 2016 بل يعود الى سنة 2006 عندما تم اتخاذ هذا القرار مضيفا انه حتى قبل سنة 2006 كان اللجوء الى التمويل المباشر ظرفيا ومحدودا في الزمن وفي القيمة.
وأوضح ان القانون الأساسي للبنك المركزي عدد 35 لسنة 2016 وخاصة الفصل 25 اقر عدم التمويل المباشر مواصلة لروح قانون عدد 26 لسنة 2006 (الفصل 47).